
الجراند ماستر
شريف هزاع
(نشر هذا المقال في جريدة الزمان الدولية العدد 3700/ 20-9-2010 )
في الحضارات القديمة المنتشرة على خارطة الانسانية ظهرت الكثير من الممارسات الروحية التي اخذت صوراً مختلفة بين أمة واخرى ، ثم تداخلت في موروث المجتمعات المدنية المتحضرة بأشكال متعددة وحتى في التراث الشعبي (Folklore) الذي لا يخلو من اصول حضارية قديمة فكان من بين اهم تلك الممارسات الروحية (الرقية) التي شملت علاج كثير من الحالات الجسدية والنفسية فكانت تمارس في المعابد البابلية والفرعونية وفي الديانات الارواحية والعرفانية وعند الهرامسة وقابئل الهنود الحمر على يد شخص مختص له درجة روحية معينة اطلق عليه اثربولوجياً الشامان (Shaman)( 1) وهو الطبيب والساحر حيث انها لم تكن منفصلة عن السحر في الديانات القديمة والوثنية فكان الشامان يقوم بدفع الشر (Apotropaism) من خلال قراءة التعاويذ والادعية ، الا ان الرقية الاسلامية تجردت من الوثنية الطابع السحري والخوارقي الارضي وفعل الانسان المادي ومن الطوطمية (2 ) هذا التجرد من الاثار الوثنية تشترك فيه الديانات السماوية اليهودية والمسيحية ايضا الا ان علماء الانثربولوجيا يعتبرون الرقى (spells) ضمن الممارسات السحرية فهي عند دوركهايم ، فريزر مالينوفسكي ، شتراوس مجرد ضرب من ضروب السحر ، لانها في نظرهم ” كلمات او جمل او اغانٍ يرددها او يغنيها السحرة لتحقيق اغراض سحرية ، وتستعمل في الرقية الفاظ وتعابير قديمة كي تبدو غير مفهومة ” ( 3) لكنها اخذت صورة واضحة ومتكاملة في الديانة الاسلامية لما في القران والسنة النبوية من فقرات تخص العلاج والشفاء الروحي والباطني او بعض الامراض الجسدية او ابطال السحر الضار (Witchcraft) فالرقية تهدف الى عودة العلاقة الطبيعية بين الجسد والنفس والروح لما طراء من عوارض خارجية بواسطة قراءة اجزاء من القران او السنة على مسامع المريض فاصبحت الرقية الاسلامية متطهرة من الخرافة والسحر حيث انها حصرت في مصدر واحد هو القران وضمن تعاليم واحدة هي السنة النبوية ، وقد وضع للرقية امور تفيد الممارس وتعطيه فكرة اولية فهي تتكون من :
1- ان تكون من كلام الله تعالى او بأسمائه وصفاته او كلام الرسول صلى الله عليه وسلم .
2- ان تكون باللسان العربي او بما يعرف معناه من غيره .
3- ان يعتقد ان الرقية لاتؤثر بذاتها بل بقدرة الله تعالى ( 4)
ثم اصبحت لاتتحدد بوقت معين ولاطقس (Rites) كما في الديانات الاخرى التي تلزم المريض شروطاً وخضوعه لطقوس تحدد الملبس والسلوك والذبائح والبخورات او يوم من السنة (5) واذا حاولنا استقراء هذه الظاهرة انثربولوجياً او سايكولوجياً نجد انها نوع من التطهير الذي يشحن اللاوعي بطاقة تساعد على العلاج من خلال الكلمات والصوت والموسيقة والطقوس التحضيرية ، الرقية تعيد العلاقة الصحيحة بين الجسد والروح او النفس والعقل (التوازن) وهي محاولة للسيطرة على المرض او استئصاله بالكلام المقدس بحيث تصبح الرقية جراحة روحية (Psychic surgery) ليست كما هي في الفلبين بل هي جراحة تستمد قوتها واصولها من المقدس وليس من قدرة الممارس وبراعته ، لذا في جراحة روحية متكاملة تبدأ من الخارج ( الكلام المقروء) والداخل ( الايمان والاستعداد الروحي ) فتكون فاعلية الرقية مرتكزة على قدرة المرقي وخبرته في ادارة الحالات الخاصة والمعقدة والامراض المركبة او ان يملك (رخصة) لعلاج بعض الامراض ، فالرخصة عبارة عن توكيل روحي يسلمه شخص لاخر لممارسة رقية معينة فيصضبح نجاحها تجريبياً يعتمد على طرفين هما المرقي والمتلقي .
ان للاستعداد النفسي دور في العلاج ، فالطبيب يعطي احياناً نصف العلاج والنصف الاخر موكل بنا ، ففعالية الرقية في علاج كثير من الامراض امر ممكن الحصول الا انه لم يتطور الى هذه الدرجة من العلمية والتفتيش والقدرة على التجريب والقياس والمراقبة ، فالمسلمون لم يستنبطوا الايات القرأنية المناسبة سوى للامراض والحالات المتعلقة بالسحر والعين والحسد في حين لم يبرع المسلمون في علاج القلب ، الضغط الدموي المرتفع والمنخفض ، السكري ، حصى المرارة ، الكوليسترول الضار ، ضعف البصر ، ضمور الكبد…الخ ، فابتكار رقية قرأنية جديدة امر لم يحدث بعد ولو حدث فسوف تكون بأيدينا آفاق شفائية مفتوحة كما في الادوية الكيميائية ، وهذا الامر ينطبق على الرقية ، فالمواد (الكميائية مثلا) متوفرة الان ان صنع وتركيب دواء جديد لم يتم بعد.
المراجع
( 1)الشامان هم سحرة دينيون يقولون بأن لديهم قوة تتغلب على النيران، ويستطيعون إنجاز الأمور عن طريق الجلسات تحضير الأرواح التي فيها تغادر أرواحهم أجسامهم إلى عوالم الروح أو تحت الأرض حتى تستمر بمعالجة المهمات. الغرض الرئيسي للشامان في أي مكان هو المعالجة. ينظر د. قيس النوري : الاساطير وعلم الاجناس ، دار الكتب للطباعة والنشر جامعة الموصل 1981 ، ص 163 ..
(2 ) الطوطمية : نظام قائم على السحر والطلاسم ، وهي نسق من المعتقدات والتطبيقات السحرية والدينية .ينظر .لوسي مير ، مقدمة في الانثربولوجيا الاجتماعية ، ت.شاكر مصطفى سليم وزارة الثقافة والاعلام بغداد . ص 394..
( 3) لوسي مير :ص 469..
( 4) سعيد بن علي القحطاني : الدعاء من الكتاب والسنة والعلاج بالرقى ، دار الفيحاء السعودية ، ص 79..
( 5) قيس النوري : ص 164..