
الجراند ماستر
شريف هزاع
1- كل بيئة حياتية على الارض ولدت مفردات كان لها مركزية في التأثير ، وهنا تكونت شامانية الاشياء ، حتى تلك التي نعيشها بعالمنا المعاصر ، انها ترجع الى تلك الاصول القديمة ، الى ذلك الالتصاق والتناغم بالطبيعة الحية ، انها اقدم نموذج للفكر الانساني الذي يريد فهم نفسه في العالم / فهم نفسه والعالم.
الشامانية هي نحن..
2- ماذا تعني كلمة “شامان”؟
تعود اصول الكلمة الى لغنة تونغوس في شرق اسيا واخذت من الكلمة (صا) + (مان) ، صا تعني المعرفة / العارف ، مان تأتي هنا بمعنى الشخص / الفرد ، فتعني كلمة صامان :- [الذي يعرف].
المعرفة عند الشامان ليست معرفة تراكمية او كسبية حصراً انما هي تعني معرفة الباطن او المعرفة العميقة للاشياء والتي تتميز بالحكمة العالية.
هذه المعرفة الباطنية هي التي تؤهل الشامان لمعرفة كل مفردة وجودية وترردها الروحي ودورها الحياتي او تأثيرها بالحياة المادية ، من خلال هذه المعرفة فانه يتصل او يتواصل مع العالم الماورائي في تجربته تلك لاصلاح وارشاد من هم بالعالم المادي ..
الشامانية هي نحن
3- تعتبر الشامانية اقدم سلوك اتخذه الانسان لروحنة الاشياء والمحيط ضمن وسائل قد نراها بدائية وقديمة الا انها كانت لغة تتسم بالبساطة والفعالية بالرغم من ذلك.
كان المسعى هو فهم تلك القوى التي في الطبيعة ، الكامنة في النباتات او الحيوانات او العلامات التي تحدثها الطبيعة.
تعود اصول الشامانية ضمن البحث الانثربولوجي والحفري الى العصر الحجري كان الهدف من تلك الممارسات التواصل من العالم العلوي من خلال مفردات العالم المادي ..
الشامانية لاتعتبر ديناً ، الشامانية طريقة..
الشامانية هي نحن
4- الشامانية جزء كبير يشكل ماهيتنا التي تكونت عبر الزمن ، انها الجانب الفكري والسلوكي وحتى الاعتقادي الذي تناثر في ادبيات وفلكلور كثير من الامم والحضارات والمدنيات القديمة والتي يتجلى منها الكثير حديثاً في مجتمعنا المعاصر ، اذا قمنا بتحليل جذرها واصولها سنجد الاثر الشاماني كامن فيها ، لانها اقدم سلوك بشري حاول التواصل والاتصال مع القوى الغيبية التي تعتبر في نظرهم كامنة في كل جزئيات الطبيعة.
البشرية جزء من الطبيعة الحية والموجودات وهي جزء من مكونات الطبيعة النباتية او الحيوانية وان العلاقات وان كانت غير مرئية في نظر الكثير الا انها قائمة وواقعة.
يقول جون رولوفس “كل شيء مرئي او غير مرئي مصنوع من نفس طاقة الحياة الأساسية، والمرتبطة عادة بالله، أو أيا كان ما تطلقه على الوجود الاسمى.
هؤلاء الشامانيون عرفوا بأن كل فكرة، كل عاطفة، كل فعل يتموج عبر الحقل الموحد للطاقة والتي تعتبر فيها جزءا يخلق نتائج مدهشة..”
حين قرر الشاماني صنع العصا لم يصنعها بشكل جزافي لانه يعلم جيدا انها جزء من روح الشجرة التي سميت كمصطلح في السلتية (درياد) فكانت صولجان للنبي او الحكيم او المعلم والملك او الساحر، ترمز للسلطة او القوة ، لكنها في يد الشاماني وان كانت قوة وسلطة او رمزاً للذات والحضور ، الا انها امتزاج واقتراب مع الطبيعة وعدم الانفصال عنها ، وانها تمده بالقوى التي سميت ماورائية او روحية او طاقية من العناصر الاربع ، وفلسفيا سميت (ميتافيزيقية) ..
الشامانية هي نحن
5- ركز المفكر الانثربولوجي الشهير كلود ليفي شتراوس على رصد مركزية الطوطم في الفكر القديم وافرد له مبحثاً كاملا (الفصل الثاني) في كتابه الرائع (الفكر البري) تحت عنوان [منطق التصنيفات الطوطمية] واشار له في طيات الكتاب ايضاً.
ان ” الكائنات التي يشحنها الفكر البدائي بالدلالات ، تدرك وكأنها تتآلف مع الانسان بالنسب والقربى” والعلاقة بين عالم الانسان والنبات من حيث الروح مرتبطة بشكل كبير ، علما ان الشاماني لايقع بفخاخ التقسيمات الكلامية والفلسفية كما الحضارات الكبرى التي تفلسفت متنطعة بالتقسيمات والفروق بين الروح والجسد والنفس و…الخ
في العراق يمتهن اناس في الموصل علاج (عرق النسا) باعطاء نبتة للمريض يعلقها على باب يمر من تحته كثيرا في البيت ، يشفى المريض من عرق النسا بتحول النبتة من خضراء الى يابسة خلال ايام وربما3 وكلما تيبست ، تيبس العرق ايضا. هذه النبتة تقطف بوقت محدد وزمن محدد ، والامر عينه في الشامانية ككل ، لان مفردة النبات المروحن جلية في البيئات رغم اختلافها ، ففي السودان يصنفون النباتات وفقا لمتواليات تتناسب كل منها مع يوم من ايام الاسبوع واتجاه من الاتجاهات الثمانية ، وفي هاواي تقطف النبتة وفقا لتصنيفات مختلفة من قشور او اوراق او جذور وثمر ، حيث لايقطف عشوائياً الا في يوم محدد من الشهر القمري الذي يتناسب والنبتة ولايتم القطاف الا بعد الدعاء موجه للروح العظمى.
وفي تونس الخضراء يعتبر نبات الحبق (الريحان) من اهم النباتات المركزية في البيت التونسي والذي هو يسمى عشبة (التأمين) حيث ان الشخص الذي يضع الريحان ما ان يتوجه امامها بالدعاء لشيء ما طالباً اياه من الرب عزوجل حتى تبدأ الريحانة بترديد روحي لايسمع (آمين آمين آمين) الى ان يتحقق المراد ، حتى انه لو ان اماً زعلت على ولدها همت بالدعاء عليه يسد فاهها النسوة ويقولن (اياك ففي بيتك حبق) .
روحانية السذاب (فيجل) تنفرد بها البيئة التونسية ، فهذه النبتة زكية الطعم والرائحة تؤكل لعطرها المميز ، ولكن مجرد ان تطبخ بالملح ، تموت النبتة الام فوراً ، والنساء لاتقبل ان يقطف الزائر الضيف من سذاب حديقتها ، لانها تقول لهم :-
لاتفعلو ستموت نبتتي لانكم ستطبخونها بالملح .. وهذا مجرب وليس ضرب من ضروب التخريف..
[حتى لو كان الضيف من مدينة بعيدة فروح الشجرة لاتخضع لقانون الزمكان وهذا ما اشرنا اليه سابقاً بالدرياد “روح الشجرة”]..
الشامانية هي نحن
6-المسار الغرائبي في الحياة قديما ً، والذي يعتبر ضمن الطقوس السحرية الشعبية امر متفاوت الاشكال ، وربما هو ينصب جميعه في هدف واحد هو الانسان والطبيعة ، وهو طرح الشامانية بالتأكيد ، في الثقافة التراثية القديمة – الفولكلور – عربيا نجد قضية الحماية والعين والملح والاعشاب والبخور له حيز كبير ، ودور بارز في الثقافة الطبية التي كانت ترى ان العلة هي اصابة واختلال في الروح ، وهو عينه في الشامانية الذي له مركزية كبيرة يسمى استرجاع الروح (Soul Retrieval).
تتعدد المفردات القديمة والتي جزء منها لازل يعمل به في بيئات اجتماعية وتجمعات سكانية ذات عوامل مشتركة في الاصول وترجع بدورها الى مفردات الطبيعة والبيئة للمنطقة التي ولدت فيها ، يجمعها رابط مهم انها شامانية الجذور، فالملح والاعشاب والخرزات الملونة والتبخير والتمائم…الخ كلها ذات اصل شاماني موزع هنا وهناك في العديد من البلدان والثقافات.
السبع عيون
هي احد الاشكال التي كان الكثير يقوم بتعليقها في خارج الدار فوق مدخل البيت لونها ازرق تمثل عنصر الماء المرادف هنا لطبيعة العين البشرية (المائية) تعود الى العصر البابلي القديم ، حيث ان الفرضية البابلية تقول ان شعاع العين الشريرة يدخل الى بؤر متعددة (7) تتشتت وينقسم متشظيا ليفقد قوته ، ويذهب خارجاً ولايستطيع الدخول.
يد مريم (فاطمة)
ضمن الاشكال التي اشتهرت قديماً في حوض البحر المتوسط والهند والتي اعيد احيائها من قبل الغرب تسمى (همسه – من الاسم خمسة) تتمتع بقوة الحماية السحرية من العين الشريرة وايضا ذات لون ازرق تمثل عنصر الماء ، العين في راحة يد مقلوبة تتجه الاصابع فيها نحو الاسفل وهي هنا نوع من الوقاية التي توجه القوة الشريرة الى الارض لتمتصها ، كانت توضع في مدخل الدار ايضا او فوق سرير الاطفال.
التسمية همسة تعود للاسم خمسة بالعربي وهي باليهودية تسمى (همش هاميش) تسمى عربيا يد فاطمة (نسبة للسيدة فاطمة ابنة النبي محمد) وتسمى يد مريم عند اليهود نسبة للسيدة مريم اخت النبي هارون وموسى.
الشعباذ الظريف
اسميته هكذا لانه لايحمل اي طقس سحري يذكر انما هو ممارسة شعبية قديمة ، نجد تقاربا واضحا بينه وبين احد الطقوس السحرية الشعبية في بقعة اخرى ، ممارسة ابعاد العين وعلاج المصاب بالحسد من خلال ورقة تقص على شكل جسم بشري تثقب بالابرة من العادة القديمة ، كانت تمارسه النسوة في البيئة العربية ، ما ان يقومون بثقبا حتى يرددو اسما من اسماء من يعرفونهم دون تعين احد ما ، المهم ان يكون هناك ترديد اسماء ، ثم ترمى بالجمر لتحترق وبهذا يدفعون عين الحاسد الى النار لتحترق ، وهذا يشابه الى درجة كبيرة احد ممارسات الهودو(Hoodoo) الافريقي (مختلف عن الفودو) وهو ليس دينًا ـ بل أسلوب للممارسة السحرية الشعبية التي تم تطويرها أثناء فترة العبودية التي مزجت السحر الشعبي التقليدي في الحياة المعاصرة في ذلك الوقت ، جاء من غرب إفريقيا وانتقل مع الافارقة الى امريكا.
شموع وقليل من الملح
اوقد شمعة بدل ان تلعن الظلام ..
الكثير في العراق قد سمع بقصة (شموع الخضر) فشخصية الخضر اسلاميا توازي المار جرجيس مسيحيا الرجل الذي لاقبر له ، تلك الشموع التي تمزج عنصر النار مع الماء لتحقيق الامنيات والنذور التي تعمل عند النهر (الشط) ، وهي من التراث العراقي القديم ودير الزور.
الشموع لها دور علاجي رائع ، كما انها ذات تأثير كبير في تفتيت السلبيات وابعادها ، ولها مركزية ودور في كل دور العبادة ، وايضا كان للملح دورو في الثقافة القديمة عربيا ، وكلاهما له دور طاقي تطهيري كبير ، وللشموع وتقسيماتها والوانها اهمية ايضا ، واصلها في الهودو الافريقي حاضر وواضح او الشامانية القديمة ومعظم الحضارات ، التي كانت تركز على مفردات الطبيعة وتطويعها للتأثير على الطبيعة نفسها من خلال الاعشاب ، التبخير ، الخرز ، الملح ..الخ والمختلف بينهم هو طريقة الاستخدام .
الملح الذي يعتبر هاماً في كثير من الامور الروحية والسحرية والطاقية ، اذا كنت تخاف من السحر واللعنات والطاقات السلبة ، وللحماية عليك بالملح وابحث من اصل الملح في فولكلور مدينتك فسوف تعثر على الكثير..
الشامانية هي نحن..
7- كل شعيرة تملك بنى رمزية كسياق ثقافي مشفر رمزياً يمكن تأويله بمحموله الدلالي ، وهو يكون ضمن مسار شاماني من حيث ولادته ، وحين يكتب كنص يثقل بالتقديس المصطنع وتخرج منه العناصر الطبيعية من اصل الشعائر ، وتدخل مكانها وظيفة رجال الدين ، وهذا يعني خروجه من الثوب الشاماني للدخول الى دائرة الدين والوظيفة التنظيمية ،لذا لايمكن مطالعة الاديان على انها كلها شامانية الاصول بسهولة دون اسقاط الثوب الكهنوتي المختلق من قبل مجموعة ارادات ان تكون معطياتهم مقنعة رغم ماورائية الفكرة ، فأخرجت اليقين من دائرة الروحانية الى دائرة المنطق المبرهن والحجاج المنطقي،وهذا مايولد عنصر التأويل لتلافي الوقوع بالخطأ ، وتنقية ما ارتكبه القلم الاول الى القلام المفسرة من اخطأ..
الشفوي هو الاكثر وضوحا في شامانيته ، والمكتوب هو الاقل شامانية ، والشامانية في النصوص المقدسة هي شفوية نقلت الى الكتابة ، او النص الشفوي الذي كتب .
الشامانية هي نحن..
8- المته شيء من اماديوس
الشعب العربي الوحيد الذي يعرف هذا الشراب هم اهل سورية ولبنان ، واصل المته- ماتي – (Mate) كلمة برتغالية واسبانية نقلت الى العربية بسبب تداولها ، واسمها (البهشية البراغوانية) ، موطنها في المناطق شبه الاستوائية في الأرجنتين وبوليفيا والأوروغواي وباراغواي وجنوب البرازيل. تستعمل أوراق البَهْشِيِّة البراغوانية بعد تجفيفها لإنتاج مشروب المته .
من حيث الاصول ترجع المته الى القبائل الغورانية في البرازيل ، في امريكا الجنوبية حتى انه يطلق عليه (الشاي البرازيلي) ، واول من تناوله هم القبائل الغورانية الذي انطلق منهم اشهر علاج شاماني هو (اماديوس) ، تعود اصول المته الى اسطورة غورانية متداولة تحكي عن لاله القمر(Abaangui) الذي قرر النزول لزيارة الارض وتفقدها ، ولقي رجلا يساعد الناس دوما ، فكافئه اثر عمله الطيب ذاك بشراب يصنع من شجرة تنمو في البرية ، وعلمه طريقة صنعه وشربه ، واسماه (مشروب الصداقة)..
الشامانية هي نحن ..
9- عبر الشامانية نملك اطر جديدة لفهم الواقع واخرى لفهم الروح واخرى لفهم التوازن بالواقع والعيش باسلوب روحاني فيه.
ينظر الشامان ان عليه ان يكون في حالة ادراك متفوق لاجل وعي كامل في الحياة يقدم له الوعي المنفتح على الموجودات طاقة تبصر عميق.
لدى الشامانيين تعبير وهو ” العالم يكون كما تحلم به” و “كلنا واحد” ويعني أنه بإمكاننا انا نختار كيف نرى في ذاتنا، وفي العالم مانريد رؤيته.
اي ان اختبارنا للعالم يعتمد على أفكارنا.
أصبحت النظرة الغربية للواقع تعتمد على مبدأ الفعل و رد الفعل ، وهي نظرة صلبة ومتعنتة.
ان الحقيقة الأساسية هي طاقة وعي نقية، نبدأ بإدراك أنه يمكننا أن نختار واقعنا. بدلا من التركيز على الحقيقة الخارجية، ينظر الشامان بشكل أعمق ويوجه أفعاله بشكل مباشر إلى الآلية الخفية التي تخلق الحقيقة، التي هي جوهر الوعي الصافي أو الروح. هذا الوعي الروحي الأساسي هو أساس مفاهيم الثقافات الشامانية.
لذا يركز الفعل الشاماني على مفردة نجدها مكررة في الادبيات والدراسات حول الشامانية هي (الرحلة الشامانية – رحلة الروح) رحلات روح الشامان لاكتشاف الذّات هي تأملات تتعمق فيها لاكتشاف وجهك المخفي في نفسك.
الشامانية هي نحن..
10- الباحث الكبير مرسيا الياد طرح اهم كتبه عام 1951 عن الشامانية الذي وضح فيه ماهي الشامانية ودافع كباحث انثربولوجي عريق عن الشامانية كفكر واسلوب حياة داحضا وجهة النظر الغربية التي كانت تنظر بوجل واجحاف كبير للشامانية ككل باعتبارها لونا من الوان السحر والخرافة ..الخ ولا اعتقد اني هنا بطور الدفاع عن الشامانية التي تملك العراقة الكبيرة كونها تملك كيزة كبيرة من الفطرة الانسانية والبساطة الممتنعة عن التقليد ، ولكن اجدني انتهي باسطري هذه الى ان الشامانية يتم قتلها بالافكار والظنون التي لاتمت للواقع التجريبي ولا البحثي الجاد ، انما هي تجتر من خواء العقول الفارغة التي تدعي انها على دراية بالشامانية دون ان تمسح النظارة التي تلبسها فلم تعد ترى اكثر من اتساخ العدسات التي تعكس تلوث ادمغتهم البالية ..
الشامانية هي نحن..