مفاتيح قوة الآن

المعلم:- نمير ذنون

منذ مئات السنين اكتشف الحكماء واقعا حاضرا وبديهيا امام الجميع ( لكنهم لم يدركوه ) انما ادركه الحكماء مع مايتضمن من الماساة، و هو ان الوعي البشري او الانسان انما هو واقعا زمانيا و يقع في النقطة المتحركة بين الماضي و المستقبل ، هذا الواقع الزمني المتحرك ، المتغير يدعى بالاصطلاح الزمني ( الآن) . و حقيقة اذا تمعنا في هذا الاصطلاح او واقعه لا نجد له وجود لانه في اللحظة التي نقول فيها ( الآن) تكون تلك النقطة المتحركة قد انتقلت الى المستقبل فـ ( ألآن) حقيقة ليس له وجود . كذلك اكتشفوا بانه في زمن الطفولة كان هناك حالة البراءة و الطهر الباطني للوعي ، و ان ذلك الوعي الطفولي كان مستقرا في ( الآن) .. الوعي الطفولي في ( الآن) و لكن الواقع الجسدي ليس في ( الآن) و انما هو في حركة نمو و صعود ثم انحدار و اندثار . و لا يستطيع الانسان ان يضبط حركة المادة ( او الجسد) ليثبتها في ( الآن) . و اذن فـ ( الآن) هي حالة وعي عشناها عندما كنا اطفالا و تميزت بالطهر و البراءة و الحيوية و الامتلاء بالسعادة . و لكننا مع نمونا الجسدي و العقلي و نضجنا الجنسي نبدا بالشعور بان هذا العالم ليس كما كنا نعيش في طفولتنا ، انه عالم الاضطراب و المعاناة و الشعور بالخوف و الهم و القلق . نبدا ندرك بانه كان هناك ماضي  ( طفولي عادة سعيد ) و مستقبل غامض و اننا وجود آيل الى الفناء فتداهمنا كل تلك المشاعر السلبية كالخوف من الواقع الراهن و الاسف على الماضي الجميل و القلق من المستقبل الغامض و هكذا تبدا المعاناة و تعصف بارواحنا . اننا عندما نكبر نبدأ ( ندرك و نشعر) فنفقد حالة ( الآن) التي كنا نعيشها .

( الآن) هو حالة من حالات الوعي و التي علم قواعدها الحكماء و نصحوا بان نعيشها . و ارجو ان لا يعتقد البعض بان الامر ببساطة حديثنا عنها لان التغيرات المادية في اجسادنا تخضع لقوانين مادية تؤثر في وعينا قهرا و رغم ارادتنا و بالتالي فاننا سنواجه قوة باطنية ( اللاوعي) صعبة المراس و شرسة . و سنحتاج الى ذكاء و قوة ارادة و حيلة ( طريقة) منهجية تدريجية لافناء هذه القوة او التحرر منها ( من اللاوعي) و من ثم يمكن من بعدها الرسوخ لنعيش في ( الآن) . ان طرائق التطهر و التحرر لا تحصى ، حيث ان لكل شخص طريقه الخاص به الذي يناسبه و لكن تبقى الخطوط العريضة للطريق معروفة ، و هي ما دعونها في عنوان مقالتنا بـ ( المفاتيح) فما هي ؟

اولا: اعرف نفسك لتعرف كيف يحدث ما يحدث لك او كيف حدث ما حدث او كيف امتلاء وعيك بكل تلك الفوضى و الاضطراب و اصبح هناك وجود لذلك الشبح العاصف الذي يدعى بـ( اللاوعي) لان ادراك الذات و فضحها سيفتح الباب على مصراعيه للسيطرة على العقل .. المعرفة قوة حتى في التعامل مع اللاوعي .

ثانيا : الادراك و التمييز : علينا ان ندرك و نمييز الفرق بين الحاجة و الرغبة و التعلق و البطر . فالحاجة هي امر ضروري لابد منه ، مثلا لابد ان نأكل لنعيش اما الرغبة فهي مثلا اننا نرغب بتناول وجبة طعام غالية  و معينة  في الوقت الذي يكفينا فيه ان نتناول اي اكلة تسد جوعنا ، فالفرق هو ان الحاجة واقعية لابد منها اما الرغبة فهي ( شعورية ) و ليست ضرورية . و التعلق هو ان يرتبط وعينا و يتقيد بامر غير ضروري او ليس حاجة مثلا ان نتعلق بحيوان نربيه او نتعلق بشئ  مادي في منزلنا مثلا صورة لفنان معين و هكذا . اما البطر فهو ان نطلب او نرغب او نتعلق بما هو ليس ضروري او لا حاجة لنا به . و هذا لا يشمل فقط الاشياء المادية و انما حتى الافكار ، مثلا نغضب من ذبابة تزعجنا في الوقت الذي هو امر طبيعي و يكفي الانزعاج و لا داعي للغضب . او ان نتبنى افكار دينية او خرافية او معتقدات اسطورية او سفيهه او لا تصنع تغييرا ايجابيا لصالحنا او لا داعي لها او ان التخلي عنها لا يحدث اثرا سلبيا في حياتنا فهي افكار زائدة و لا داعي لها . و البطر  نوعان الخارجي او المادي مثل الاسراف في تعاطي النعمة  او عدم احترامها و الداخلي الذي يتضمن تبني معتقدات لا داعي لها و الافضل التحرر منها خصوصا اذا كانت تلك الافكار او المعتقدات قد سممت ارواحنا او اصبحت عبئا عليها او اصبحت عقدا نفسية او ذهنية و تؤدي بنا الى ارتكاب الاخطاء او تمنع تحررنا الروحي .

فالصحيح هو ان ندرك الحاجة و نتوقف عندها و لا نتجاوزها .

ثالثا : لابد من ممارسة الـتأمل و افضل الانماط ، لانه اكثرها فاعلية  و كذلك لا يتضمن اي معتقدات دينية او افكار فلسفية ، هو تأمل الزن او التأمل في الفراغ .

رابعا : ممارسة التأمل الحركي و هناك الكثير من المدارس او الانماط و على كل شخص ان يختار ما يناسبه . و الغرض من التأمل الساكن و الحركي هو لاجل التدرب للسيطرة على العقل و ايقاف حركته .

خامسا : الاجتهاد لاجل ممارسة ( الطريق الوسط ) و بهذا الصدد راجع مقالتي بعنوان ( الطريق الوسط – في موقع ريكي زن للماستر شريف) . و عموما فان الطريق الوسط يعني العيش في حياة تأملية ، روحية، اخلاقية  و الانغماس فيها لتكون هي الواقع الباطني لـ ( ألآن) .

بهذه المفاتيح الخمسة يمكننا ان نعيش في واقع ( ألان) و نقطع شأفة الماضي و المستقبل ، فيكون ( الآن) هو واقع حياتنا و ( وعي- زمني) غير متحرك راسخ و دائم ، حينها سنوقف حركة الزمن و التخبط العقلي و نشعر و كأننا نعيش زمن طويل او كأننا لن نموت او على الاقل سنشعر بالسعادة و لا نأبه بالموت و لا نخشاه .

و اؤكد ، و يا للاسف ، بان الامر ليس سهلا و لكننا امام خيارين الاول ان نعيش كما نحن عليه الانحيث الحياةتتقاذفنا و تتلاعب بنا و تحرق اعصابنا و تعصرنا قلوبنا المعاناة ، و الخيار الثاني هو ان نجتهد و نكافح بكل ما اوتينا من قوة لاجل ان نعيش في ( ألآن) . و يبقى هناك سؤال مشروع جدا و من حق الجميع ان ينتفض ! ليطرحه فيقول ، و هل لدينا فسحة من الوقت و هل ستسمح لنا الظروف ؟ ! و كم سيأخذ هذا من سنوات عمرنا ؟ و الاجابة هي : ان كان لديك خيارات اخرى افضل مما ذكرت آنفا فمرحى لك ، اذهب و عش سعيدا ان استطعت فهذا حقك الشرعي او الطبيعي ، فأنت انسان و السعادة بغيتك ، و لكن هذا ما عندي لاقدمهلك .